العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

عدة عوامل، ساهمت في تدهور الأوضاع في ليبيا، منها عدم دقة المعلومات الاستخباراتية، التي تم على أساسها اتخاذ قرار التدخل العسكري، واصفاً إياها بأنها تحليلات غير موضوعية.

 الربيع العربي في ليبيا ... جاء في الغرب

لواء أ.ح. دكتور/ سمير فرج

 

في سابقة لم تحدث من قبل في تاريخ السياسة الخارجية البريطانية، ينتقد مجلس العموم البريطاني، الحكومة في أحد قراراتها السياسية ... فلقد أصدرت لجنة الشئون الخارجية، في مجلس العموم البريطاني، في منتصف شهر سبتمبر الماضي، تقريراً يدين التدخل العسكري في ليبيا، الذي قامت به كل من بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية في عام 2011، بدعم من حلف الناتو، وبتأييد العديد من دول العالم. إذ ذكر التقرير أن الهدف من هذا التدخل العسكري، كان حماية المدنيين، إلا أن الوجهة تحولت إلى تغيير النظام الليبي، والإطاحة بالقذافي، بدلاً من حماية المدنيين.

وقبل الدخول في صلب التقرير، ومحتوياته، يجب التأكيد على أن العالم أصبح، اليوم، مفتوحاً على مصراعيه، أمام كشف كافة الحقائق القديمة، والحديثة ... خاصة منذ بدء ظهور وثائق ويكيليكس ... التي كشفت عن العديد من المعلومات والأسرار، عن الولايات المتحدة الأمريكية وكل دول العالم.

وعودة إلى التقرير، فقد أدان التدخل العسكري، من قِبل الدول المشاركة، مؤكداً على وجود خيارات أخرى، غير العسكرية، التي كان من شأنها التوصل إلى حل سلمي في ليبيا. مشيراً إلى أن الحوار السياسي، مع نظام القذافي، كان من الممكن أن يحقق الهدف المرجو بحماية المدنيين، دون الحاجة إلى شن حرب، مضيفاً إلى أن مسئولية إعادة إعمار ليبيا، سياسياً واقتصادياً، تقع على بريطانيا وفرنسا، اللتان قادتا تلك العمليات العسكرية. وخلص التقرير إلى أن التحرك العسكري البريطاني، في ليبيا، كان جزءاً من خطة تدخل عسكري، سيئة التخطيط، فجاءت نتائجها مخيبة للآمال ... ملقياً اللوم على رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون، والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي.

ولقد ركز التقرير على وجود عدة عوامل، ساهمت في تدهور الأوضاع في ليبيا، منها عدم دقة المعلومات الاستخباراتية، التي تم على أساسها اتخاذ قرار التدخل العسكري، واصفاً إياها بأنها تحليلات غير موضوعية. فضلاً عن أن الخطة العسكرية، لم تتضمن وضع خطة لما بعد الإطاحة بالقذافي، خاصة وأنه لم يترك نظاماً يمكن الاعتماد عليه، بالرغم مما أقره القذافي، من نظام المشاركة الشعبية، كذلك وجود موروث لدى الليبيين، بعدم جدوى الأحزاب السياسية. وأضاف التقرير أن التخطيط لتلك العملية، تناسى قيام دولة ليبيا على النظام القبلي، والذي كان من الضروري احترامه، ووضعه في الحسابات الأولية، قبل اتخاذ قرار الحرب. ولقد خلص التقرير إلى أن عدم شن هذه الحرب، كان من شأنه خدمة المصلحة العامة لجميع الأطراف، متهماً كاميرون، مباشرة، بالفشل، ومحملاً إياه مسئولية تلك الإخفاقات.

ومن المفارقات الغريبة، أن هذا التقرير، يعد التقرير الأول الذي يصدره مجلس الأمن القومي البريطاني، الذي أسسه كاميرون بنفسه، كواحد من الدروس المستفادة من اشتراك بريطانيا في حرب العراق.

ومن هذا المنطلق، يجب أن نأكد، على أن منطقة الشرق الأوسط، خاصة الدول النفطية منها، ستظل هدفاً دائماً لدول حلف الناتو، بهدف تفتيتها، وإضعافها، وتمزيق شعوبها، لضمان دوام تبعيتهاللدول الغربية، خاصة فيما يعني بتأمينها. ومن هنا تأتي أهمية إضعاف مصر بالنسبة لهم، وإضعاف قوتها العسكرية، وإضعاف دورها الإقليمي، لإفساح الطريق أما الدول الغربية والولايات المتحدة، لتكون الملجأ والمعين للدول العربية النفطية. وسوف نرى، في القريب، المزيد من محاولات الوقيعة بين مصر، وأشقائها العرب، بافتعال العديد من المشاكل السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية من جهة، ومن جهة أخرى عن طريق إبراز قوة جديدة في المنطقة، من شأنها إثارة القلق، بل والخوف، لدى الدول العربية. وهو ما حدث، بالفعل، بعد الاتفاق الأمريكي-الإيراني، إذ برزت إيران كقوة جديدة، بدعم أمريكي، لتصبح، بحلول عام 2025، دولة قوية، بل ونووية! وهو ما دفع دول الخليج، إلى سباق تسليح هائل، في محاولة لردع هذا الخطر القادم، من شأنه استنزاف مواردهم، وتشتيت جمعهم.

أما في ليبيا ... مازال الغرب يعمل، جاهداً، على تقسيم الدولة، مستخدماً جميع وسائل تأجيج الانشقاقات والخلافات بينالحكومة الشرعية، والبرلمان، وقوات اللواء حفتر. ويكفي القول بأن الولايات المتحدة الأمريكية، لم تتدخل، بعمليات عسكرية، ضد داعش في ليبيا، إلا مرة واحدة، في رسالة واضحة بدعمها لعدم الاستقرار في ليبيا ... وبإيجاد شوكة، مؤثرة، في جانب مصر، من ناحية حدودها الغربية الممتدة.

وبالنسبة لمصر ... ستظل ليبيا داخل الدائرة القريبة المباشرة، من دوائر الأمن القومي المصري ... وستظل مصر، دوماً، تدعم القوى المختلفة داخل ليبيا، لتحقيق التقارب بينهم عن طريق الحوارات والمباحثات، بما يضمن استقرار الدولة ... آخذة في اعتبارها أهمية وجود القبائل الليبية ضمن الشكل الجديد للدولة، نظراً لقدرتها على فرض الواقع، لوجودها، فعلياً، على الأرض. حيث ترى مصر أن حل الأزمة الليبية، يكون بالحوار بين أطراف النزاع، وليس بالصراع المسلح، رافضة أي شكل من أشكال التدخل العسكري الأجنبي داخل ليبيا، إيماناً منها بأنه ليس الوسيلة لحل الصراع. إضافة إلى مساعي مصر لفك الحصار عن الودائع الليبية المجمدة في الغرب، لتتمكن حكومة الوفاق الحالية من إعادة الحياة إلى المجتمع الليبي. كذلك ترى مصر ضرورة قيام الولايات المتحدة والغرب برفع الحظر على توريد الأسلحة إلى ليبيا، حتى يستطيع الجيش الليبي استعادة قوته، والسيطرة على كافة أنحاء الأرض الليبية واستعادتها من أيدي الجماعات الإرهابية.

بهذا، يتضح جلياً، أن "الربيع العربي"، الذي قاد ليبيا إلى هذه الفوضى العارمة، هو صنيعة غربية ... هدفها تقسيم ليبيا، وجعلها تجمعاً جديداً للتطرف من جميع أطراف العالم، لضمان عدم استقرار منطقة الشرق الأوسط برمتها. وأدعو الله أن يدرك الشعب الليبي، ويعي جيداً، ما يحاك له  في الظلام، للنيل من استقراره، وحدة بلاده ... فيعمل على الحفاظ عليها.

Email: sfarag.media@outlook.com