العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

أما الأقصر فقد استحدثت رحلات البالون الطائر، فى الصباح الباكر، فوق سماء الأقصر، التى صارت جزءا أصيلاً فى البرامج السياحية، وكذلك الرحلات النيلية اليومية، أو تناول الإفطار على فلوكة فى نهر النيل، ورحلات السفاري.

الواى فاى فى الأقصر... وقطار الملك فاروق
 

لواء د. سمير فرج

 21 مارس 2019


مع التطور الهائل الذى يشهده العالم، فى مجال التكنولوجيا ووسائل الاتصال، كان لصناعة السياحة نصيبا من تلك الطفرة، فأصبح السائح يتمم جميع إجراءات سفره، وهو جالس بمنزله، قبل مغادرة بلاده، بل صار قادراً على مطالعة تفاصيل الغرفة الفندقية التى سيقيم فيها، وجميع أنحاء الفندق، ووصل الأمر لأن يقوم بجولة افتراضية فى شوارع المدينة التى سيزورها، باستخدام تطبيق «Google Street View»، للتعرف على الأماكن الأثرية والتاريخية بها. وللاستفادة من ذلك التطور، فقد قمت بالتعاقد مع وزارة الاتصالات المصرية، لتنفيذ تطبيق، مشابه، للأقصر، وقت أن كنت محافظاً لها، يمكّن السائح من حجز طائرته، وفندقه، وتذاكر المزارات السياحية، والحصول على مزايا وتخفيضات كبيرة فى الأسعار.

وفى ظل السماوات المفتوحة، والمنافسة الشرسة، كان لابد وأن تجتهد كل مدينة فى إبراز مزاياها، واستحد اث مسببات جذب السياح، فنجحت شرم الشيخ والغردقة، على سبيل المثال، فى تنظيم رحلات السفارى إلى جبال ووديان سيناء، ورحلات الغوص لمشاهدة الشعب المرجانية المتميزة، والاستماع بالحياة البحرية الرائعة فى قاع البحر الأحمر، والرحلات البحرية لممارسة السباحة، والصيد، والتزلج على المياه مباشرة، أو هبوطاً بالبراشوت.

وأخيراً ظهرت رحلات اليوم الواحد، وفيها يغادر آلاف السياح، من البحر الأحمر، فى الصباح، لقضاء يوم كامل بالمناطق الأثرية فى القاهرة أو الأقصر، والعودة ليلاً. وقد استحدثت شركات السياحة هذه الرحلات، خارج البرنامج الأساسى للرحلة، بما يدر دخلاً إضافياً لهم، وللمناطق السياحية فى الأقصر والقاهرة. ومن المنتظر أن تزيد تلك الرحلات إلى القاهرة، بعد إنشاء «طريق الجلالة» الذى يحقق راحة أكبر وتوفيراً فى الوقت.

أما الأقصر فقد استحدثت رحلات البالون الطائر، فى الصباح الباكر، فوق سماء الأقصر، التى صارت جزءا أصيلاً فى البرامج السياحية، وكذلك الرحلات النيلية اليومية، أو تناول الإفطار على فلوكة فى نهر النيل، ورحلات السفاري.

إلا أن سباق التكنولوجيا يوجب عدم التوقف عن البحث عن أساليب جديدة، فكان منها، تحويل منزل عالم الآثار البريطاني، هوارد كارتر، بالبر الغربى بالأقصر، إلى مزار رائع، يجسد رحلته فى اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون، بأسلوب المحاكاة، استخدمنا خلالها أحدث التكنولوجيا، ثلاثية الأبعاد، التى تجعلك تشاهده، مجسما، أمامك فى حلقة درامية رائعة، أصبحت حديث السياح منذ حينها.

وأذكر، كذلك، زيارة السيد تونى بلير، رئيس الوزراء البريطانى الأسبق، للأقصر، فى إجازة عائلية، طلب خلالها زيارة الفندق العائم، الذى كتبت فيه الروائية الإنجليزية، أجاثا كريستى قصتها الشهيرة، «Death on The Nile»، أو الموت على النيل، وتم تصويرها، كفيلم، فى ذلك الفندق، الذى مازال موجوداً حتى الآن ... دخل بلير، وزوجته، تصاحبهما الموسيقى التصويرية للفيلم، وبدآ فى استعادة أحداث الفيلم، الذى يعرض، سنويا، فى احتفالات أعياد الميلاد، على جميع محطات التليفزيون البريطانية؛ فهنا كان يجلس المحقق بيتر، أو ستينوف، وأمامه الفنانة بيتى ديڤيز، أحد المشتبه فيهم. بعد هذه الزيارة، اجتمعت مع مالك ذلك الفندق العائم، واقترحت عليه تحويله لمزار دائم، لعرض الفيلم، مع عمل مجسمات للأبطال، وعزف الموسيقى التصويرية فى كل الغرف وصالات الطعام، لتضاهى زيارات استوديوهات يونيڤرسال فى هوليوود.

ومع ظهور خاصية الواى فاي، قررت إتاحتها فى المناطق السياحية، فاجتمعت مع المسئولين للوقوف على آلية التنفيذ، فرأى معظم الحضور إتاحتها لمن يرغب، مقابل مبلغ مادي، يضاف إلى ثمن التذكرة، إلا أننى رفضت ذلك الاقتراح، وقررت إتاحتها بالمجان، وليتك، عزيزى القارئ، كنت معنا، آنذاك، لترى آلاف السياح، بمعبد الكرنك، وهم يرسلون الفيديوهات المصورة، داخل المعبد، إلى عائلاتهم، أو بعرضها على وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما كان، فى تقديري، دعاية تساوى الملايين، بدلا من الملاليم التى كنا سنجنيها من ثمن تذكرة الواى فاي.

ثم اقترح عليّ صديقي، اللواء منصور الشناوي، مساعد وزير الداخلية الأسبق، ومدير أمن الأقصر، الاستفادة من عربة القطار الملكية الخاصة بالملك فاروق، تلك العربة التى صنعتها شركة سيات الإيطالية العالمية، وتحتوى على غرف نوم، وصالون، ومزخرفة بأندر اللوحات الملكية، ومحفور على جدرانها، وأثاثها، شعار الملك فاروق «F»، رأينا صيانة هذه العربة، واستخدامها فى رحلات خاصة، بأسعار عالية، فى ظل رغبة البعض فى هذه النوعية من الرحلات، على متن هذه العربة النادرة فى العالم. وقد اقترحت فى الأسابيع الماضية تحويل قصر البارون إمبان، بمصر الجديدة، إلى بوتيك أوتيل، وهو ذلك النوع من الفنادق ذات الأسعار المرتفعة، ويجذب فئة خاصة من السياح، ممن يرغبون فى تجربة فريدة من الإقامة.

أما منطقة القاهرة التاريخية، فبالرغم من تطويرها، وإنارتها، فإننى حزين لعدم استغلالها على الوجه الأمثل؛ فمثل تلك الأحياء، فى دول لا تملك تاريخنا الحضاري، يتم تسويقها كمقصد سياحي، للقاصى والداني، يبرز التاريخ الاجتماعى للدولة، من خلال العروض الفلكلورية، والمطاعم والمقاهي، التى تقدم الأكلات الشعبية المصرية، فيتعرف من خلالها السائح على مصر. واليوم أتساءل ... ما هو مصير رحلة العائلة المقدسة، التى تستوعب أعداداً كبيرة من السياح، ممن يرغبون باقتفاء أثر العائلة المقدسة بمصر ... إن ذلك المزار، يستحق النظر إليه بعين الرعاية، لما يمكن أن يؤول إليه، إذا ما تم تطويره بأحدث الأساليب التكنولوجية، بما لا يمس بقدسية المكان. وهكذا نجد أن صناعة السياحة فى مصر تتطلب جهداً كبيراً، باعتبارها قاطرة التنمية، التى تسهم بنسبة كبيرة فى نمو الاقتصاد القومي، فمصر تملك جميع المقومات الطبيعية والتاريخية والأثرية، التى تفوق أى دولة أخرى، وهو ما يجب أن يدار بكفاءة عالية، مع التركيز على فتح أسواق جديدة من الهند والصين واليابان إفريقيا، مع الاهتمام بتدريب العاملين بالقطاع السياحي، وجميع المتعاملين مع السائح بشكل مباشر، أو غير مباشر، مع التنسيق بشأن تقديم التسهيلات للقادمين إلى مصر، وفتح خطوط طيران جديدة، من وإلى المناطق والأسواق السياحية الجديدة. إن تطوير صناعة السياحة فى مصر من الممكن أن يحقق طفرة كبيرة فى الدخل القومى لمصر فى المستقبل، إذا تم التخطيط واستغلال جميع إمكانات مصر، والتطورات التكنولوجية للعصر الحديث.



Email: sfarag.media@outlook.com