العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

الحقيقة أن الحالة العامة لمستوى التعليم في الأقصر كانت متردية للغاية، فكان من ضمن محاور خطة التنمية الشاملة، التي وضعتها لتطوير الأقصر حتى عام 2030، هو محور تطوير التعليم.

مدرس بالجلباب
 

لواء د. سمير فرج

 18 يناير 2018


قضيت بالأقصر سبع سنوات، متواصلة ... كنت فيهما محافظاً لها ... لم أحد يوماً، عن نظامي فيها، الذي أبدؤه في السادسة، من صباح كل يوم، بالمرور على مختلف أرجاء المدينة، للوقوف على مستوى نظافتها ونظافة قراها، ونجوعها ... كنت أتحدى أي شخص، أن يجد يوماً، في أي من ترعها حيوانات نافقة، أو مخلفات أو قمامة. وفي تمام السابعة والنصف، أكون قد وصلت إلى إحدى المدارس، التي أختارها عشوائياً، لحضور طابور الصباح، وتحية العلم، والسلام الوطني، والاستماع إلى كلمة الصباح، والتي كنت قد أصدرت، بشأنها منشوراً تم توزيعه، وتعميمه على جميع مدارس المحافظة، بالتدقيق في اختيار موضوعات كلمات الصباح في المدارس، بما يتناسب مع طبيعة محافظة الأقصر ... فبالإضافة إلى موضوع بر الوالدين، أضفنا موضوعات أخرى، أهمها حسن معاملة السائح، والآداب العامة، والسلوكيات القويمة، وغيرهم.

لقد كنت، ومازلت، مؤمناً، بمقولة مهاتير محمد، أشهر رؤساء الوزراء الماليزيين، في كتابه الشهير الذي قص فيه تجربته، «إن سر نجاح أي دولة، هو نجاحها في التنمية البشرية» قاصداً بذلك طرفي التنمية البشرية ... التعليم والصحة. فدولة بلا تعليم، هي دولة متخلفة ... ودولة بلا رعاية صحية، هي دولة متخلفة، أيضاً.

وإيماناً بهذا المبدأ، كان مروري يومياً علي مدرسة من المدارس في المحافظة. بل أذكر أن أول توقيع لي كمحافظ للأقصر، كان للموافقة على شراء أورج وأدوات موسيقية أخرى لمدارس الأقصر، لعزف السلام الوطني

فى أثناء طابور الصباح، ولتنمية مواهب الطلبة والطالبات، والارتقاء بحسهم الفني. وبالفعل، وبعد شهر واحد من وجودي في الأقصر، كان السلام الوطني يعزف، باستخدام آلات موسيقية حقيقية، في جميع المدارس. وبعد الانتهاء من طابور الصباح، كنت حريصاً على المرور على الفصول، للتأكد من انتظام الناحية التعليمية ... وهالني، في إحدى المرات، أن رأيت مدرساً يرتدي الجلباب في الفصل، معللاً ذلك بأنه الزي القومي في جميع أنحاء صعيد مصر. ومع احترامي للجلباب ولكل من يرتديه، إلا أنه ليس زياً رسمياً، فمنعت ارتداءه، وتابعت تنفيذ التعليمات في جميع أرجاء المحافظة.

الحقيقة أن الحالة العامة لمستوى التعليم في الأقصر كانت متردية للغاية، فكان من ضمن محاور خطة التنمية الشاملة، التي وضعتها لتطوير الأقصر حتى عام 2030، هو محور تطوير التعليم، الذي صورته كمثلث، تمثل المنشآت التعليمية أول أضلاعه، وأعضاء هيئة التدريس ثاني الأضلاع، والطلاب ضلعه الثالث. فبدأت بتطوير المدارس، التي كان بعضها عبارة عن فصل واحد، وبعضها الآخر عششا من الصفيح، وإحداها كانت عبارة عن أحد إسطبلات الخيل القديمة. ولا أنكر هنا فضل السيدة سوزان مبارك، التي كانت تولي التعليم اهتماماً خاصاً، فلم تتوان عن مساعدة الأقصر في تطوير 180 مدرسة، أشرف علي بنائها وتطويرها جهاز الخدمة الوطنية، بالقوات المسلحة في زمن قياسي، لتضاهي هذه المدارس، التي كان قد تم هدم بعضها وإعادة بنائها بالكامل، مدارس العاصمة.

بالتزامن مع تطوير المدارس، كنت قد شرعت في رفع كفاءة أعضاء هيئة التدريس ... واضعاً في ذهني صورة أساتذتي فخري أبو المعاطي، والكتبي، وعبد الرازق صالح، وأنا طالب في مدرسة بورسعيد الثانوية، الذين كانوا مثلاً أعلى لي، ولغيري، في المظهر والجوهر. لذلك عندما زارني رجل الأعمال معتز الألفي، وشاهد هذه النهضة التعليمية في بناء وتطوير المدارس، طلب أن يكون له نصيب فيها، بمشاركة «مؤسسة الألفي للتنمية البشرية» في ضلعها الثاني، وقامت المؤسسة، بالفعل، بإنشاء مركز لتدريب المدرسين، على استخدام أحدث وسائل العلم الحديث، بما يرفع من كفاءة العملية التعليمية، وقامت المؤسسة بتوزيع 1000 لاب توب علي مدرسي الأقصر، وكانت جائزة التفوق لهم عبارة عن بدلتين كاملتين بمتعلقاتهما، وقميصين، ورابطتي عنق، وحذاءين، للحفاظ على هيئة المدرس. وبدأ العام الدراسي الجديد، والمدرسون في هيئتهم الجديدة، المناسبة لمكانتهم الرفيعة ... حتى أنهم كانوا حديث أهالي الأقصر الذين أطلقوا عليهم كلمة «المدرسون في نيو لوك» أي في مظهرهم الجديد ... فتخلصت بذلك من مشهد المدرس بالجلباب!

وبقي الضلع الثالث، لتطوير العملية التعليمية، وهو الطالب الذي كانت حالته لا تؤهله، في معظم الأوقات، لتلقي العلم، نظراً لضيق الظروف المادية لأهله، أو لضعف حالته الصحية الناتجة عن سوء التغذية، فضلاً عن عدم قدرته على المنافسة في سوق العمل، بعد التخرج، نظراً لضعف المستوى الدراسي. فكانت خطتي للنهوض به، تشمل عدة عناصر، بدأتها باعتماد موازنة إضافية من الدولة، لعودة الوجبة الغذائية للمدارس، استكملتها بعد ذلك، بالجهود الشخصية من رجال الأعمال بالأقصر. وبالاتفاق مع رجال الأعمال الموجودين بالأقصر، استطعنا توفير أماكن بالمدارس مجاناً لغير القادرين مادياً. كما تم التنسيق مع عدد من الجهات المانحة، لتزويد المدارس بالحاسبات الآلية الحديثة، لرفع كفاءة الطالب، وتزويده بالعلم الحديث الذي يؤهله للمنافسة فيما بعد. وجاءت أحداث 25 يناير 2011، وتركت الأقصر، ولم يتسن لي إتمام خطة التنمية التعليمية.

هذا الأسبوع دعاني صديقي السيد معتز الألفي، للاحتفال السنوي لمؤسسة الألفي للتنمية البشرية، والتي تحتفل، كل عام، بإيفاد نحو 50 من الطلاب المصريين إلى أكبر جامعات أوروبا. كان أكثر ما لفت انتباهي، هو حرص السيد معتز الألفي على حضور جميع أحفاده تلك الاحتفالية، رغبة منه في تولي الأجيال القادمة مسئولية تقديم خدمات مجتمعية جليلة. لقد تكرت دعوات تلك المؤسسات المجتمعية، وهو تكررت محمود، أتمنى أن يعمم من جميع المؤسسات الاقتصادية في مصر.

إن الاهتمام بالتعليم، يجب أن يكون المشروع القومي، القادم، لمصر، بجميع أضلاعه؛ مدرسة، ومدرس وطالب، بالإضافة، قطعاً، إلى تطوير المناهج التعليمية ... ولنا في تجربة مهاتير محمد، «صانع النهضة الماليزية» عبرة.



Email: sfarag.media@outlook.com