العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

بدأت الصين في تقوية جيشها، ليحتل، اليوم، المركز الثالث، عالمياً، بعد الولايات المتحدة وروسيا، وبفوارق بسيطة للغاية. أما في المجال الاقتصادي، فحدث ولا حرج، لقد قفزت الصين لتحتل المركز الثاني في إجمالي الناتج المحلي، بعد أمريكا.

أمريكا والصين والحرب التجارية … إلى أين؟
 

لواء د. سمير فرج

 12 يوليو 2019


لكل دولة في العالم استراتيجيتها؛ سواء كانت دفاعية أو هجومية، ومن خلال هذا التحديد، تبني كل دولة قوتها العسكرية والاقتصادية والسياسية، إلخ … تنتهج مصر، مثلاً، استراتيجية دفاعية، هدفها الدفاع عن حدودها، واستثمارها، وأمنها الداخلي، والدفاع عن عقائدها، وتراثها، ودستورها، واستقلالها، وحرية مواطنيها.

أما الولايات المتحدة الأمريكية، فتختلف عن، معظم، باقي دول العالم، حيث تتبنى استراتيجية هجومية، تستهدف بها أن تكون أقوى دولة في العالم، اقتصادياً، وعسكرياً، وسياسياً، وثقافياً واجتماعياً. ويتحقق لها هدفها من خلال عدة اتجاهات، منها أن يكون لها أقوى جيش بالعالم، يتفوق في تسليحه عن بقية جيوش العالم، كماً وكيفاً، ومن خلال الدخول في تحالفات عسكرية، وبتأسيسها لقواعد عسكرية في المناطق الاستراتيجية في العالم، إضافة إلى تكوين “صداقات” سياسية مع الدول، التي ترفض الدخول في تحالف معها، أو إقامة قواعد عسكرية بها.

ومن الناحية الاقتصادية، واتساقاً مع استراتيجيتها الهجومية، تعمل الولايات المتحدة الأمريكية على تقوية اقتصادها، بالتحكم في باقي القوى الاقتصادية، في العالم، من خلال الدخول في تحالفات اقتصادية، للهيمنة على الأسواق التجارية، في مختلف بقاع العالم، والسيطرة على الشركات العالمية، عن طريق المشاركة الأمريكية في هذه الشركات، ولعل أبسط الأمثلة على ذلك، سيطرتها على صناعة الطائرات التجارية عالمياً، من خلال شركتها الوطنية “بوينج”، ومن خلال شراكتها مع شركة “إيرباص” الفرنسية، بجزء كبير من إنتاجها. وبتلك الوسيلة بدأت الولايات المتحدة الأمريكية بالتحكم في منافسيها العسكريين، والاقتصاديين.

في الماضي، كان الاتحاد السوفيتي هو العدو التقليدي للولايات المتحدة، وكان هدفها القضاء على قوته، حتى تفتتت دول الاتحاد السوفيتي، وحلف وارسو، ولم يتبق منهم، حالياً، إلا روسيا للاستمرار في دور العدو التقليدي، حتى وصول ترامب إلى البيت الأبيض، الذي نظر حوله، فرأى عدواً شرساً، يدخل الساحة العالمية، ويتقدم الصفوف، بهدوء، وثقة، وقوة، وثبات، ألا وهو المارد الصيني … تلك الدولة التي يتجاوز تعدادها مليار و300 مليون مواطن، نجحت أن تحول زيادتها السكانية لمصدر قوة، بدلاً من أن يصبح عبأً على الدولة.

بدأت الصين في تقوية جيشها، ليحتل، اليوم، المركز الثالث، عالمياً، بعد الولايات المتحدة وروسيا، وبفوارق بسيطة للغاية. أما في المجال الاقتصادي، فحدث ولا حرج، لقد قفزت الصين لتحتل المركز الثاني في إجمالي الناتج المحلي، بعد أمريكا، منتزعة اللقب ممن اعتادوا عليه من الدول الأوروبية والآسيوية المتقدمة، مثل بريطانيا، وفرنسا، وروسيا، واليابان، فأصبحت بذلك المنافس الحقيقي للاقتصاد الأمريكي.

لقد سلكت الصين طريق الإنتاج الصناعي، لتلبية كافة مطالب، واحتياجات، مختلف دول العالم، المتقدمة والنامية منها؛ فتجد الإنتاج الصيني يخرج في ثلاث درجات؛ الأولى، وهي الأعلى في جودتها، يتم تصديرها إلى الدول الغنية في أوروبا، يليها منتجات من الدرجة الثانية، وتخرج في نفس الشكل، ولكن تقل جودتها وكفاءتها، وبالتالي يقل سعرها عن المنتج الأول، أما دول العالم الثالث، فحصتها من المنتج ذو الدرجة الثالثة، الأقل جودة وكفاءة، وفقاً لمدخلات إنتاجه، وبالتالي ينخفض سعرها، بما يناسب الحالة الاقتصادية بها. فنجحت الصين في غزو الأسواق العالمية بمنتجاتها، بمختلف مستوياتها، ونظمت لنفسها شبكة تجارية كبيرة، في كل هذه الدول، معتمدة على تنوع منتجاتها.

ثم وجهت الصين ضربة اقتصادية جديدة، بإعادة فتح طريق الحرير، بعد تطوير الطريق البري القديم، الذي يصل إلى أوروبا، من خلال خط سكة حديد، لتصبح الصين، من بعده، مركزاً إقليمياً لتجميع كل منتجات دول جنوب شرق آسيا، ونقلها إلى أوروبا، من خلال هذا الطريق، في غضون 5 إلى 7 أيام، بدلاً من ستة أسابيع، عبر البحار، وقناة السويس. ولعل الدول الأفريقية كانت أكثر الدول استفادة من القروض الصينية، لبناء استثماراتها، بالمعدات الصينية، ولعلنا نذكر أن سد النهضة الأثيوبي، وغيرة العديد من المشروعات الكبرى في أفريقيا، يتم بناؤها بقروض صينية، الآن.

وبتدقيق النظر وجد ترامب أن المنافس الحقيقي، للولايات المتحدة الأمريكية، هو الصين، القوية اقتصادياً، وعسكرياً، وبشرياً. وبإعادة النظر للميزان التجاري بين البلدين، تبين أن الصين تصدر للولايات المتحدة ثلاث أضعاف ما تصدره الولايات المتحدة للصين، فشن الرئيس الأمريكي، ترامب، في مارس 2018، حرباً اقتصادية ضد الصين، بإعلان نيته لفرض رسوم جمركية، تبلغ 50 مليار دولار أمريكي، على السلع الصينية، بموجب المادة (301)، من قانون التجارة الأمريكي. وكرد فعل، مساو للفعل في قوته، فرضت الحكومة الصينية رسوم جمركية على أكثر من 128 منتج أمريكي، أشهرها فول الصويا. واشتعلت حرب التعريفات بين الدولتين، حتى برزت “هواوي”، والتي تعد واحدة من أكبر شركات تصنيع الهواتف المحمولة في العالم، وأبرز مطوري تجهيزات الجيل الخامس، إلى جانب نوكيا الفنلندية، وأريسكون السويسرية، وتحت ستار اتهام هذه الشركة بالتجسس، أعلن الرئيس ترامب إضافة شركة هواوي إلى قائمة الشركات، المحظور على الحكومة الأمريكية التعامل معها، كونها تشكل خطراً على الأمن القومي الأمريكي.

وخلال قمة العشرين، التي عقدت في أوساكا اليابانية، في أواخر الشهر الماضي، حدثت المفاجأة، في تحولات واضحة من الرئيس ترامب، إذ أعلن الرئيس الأمريكي، خلال مؤتمره الصحفي، أن واشنطن لن تفرض رسوماً جديدة على الصين، ولكنها لن تتراجع عن سابق قراراتها، كما أضاف، عقب لقاءه مع الرئيس الصيني، أن الدولتان ستستمران في التفاوض لأجل التوصل لاتفاق أشمل بشأن التجارة بينهما، كما أكد في مفاجأة جديدة، أنه سيسمح للشركات الأمريكية ببيع منتجاتها لشركة هواوي الصينية، ولقد رحبت الصين بتصريحات ترامب.

وهكذا جاءت قمة العشرين، في اليابان، لتعطي الأمل في إمكانية تحقيق توافق بين الولايات المتحدة والصين، بدلاً من تلك الحرب التجارية التي من شأنها التأثير سلباً على النظام العالمي كله.



Email: sfarag.media@outlook.com