العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

فى حدث غير متوقع خالف كل التقديرات والحسابات والمؤشرات وصل الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إلى كرسى الرئاسة فى البيت الأبيض محطماً، بذلك جميع المفاهيم والنظريات عن التحليلات الفكرية واستطلاعات الرأي

مصر ـ أمريكا ... بعد وصول ترامب
 

لواء د. سمير فرج

 16 فبراير 2017


فى حدث غير متوقع خالف كل التقديرات والحسابات والمؤشرات وصل الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إلى كرسى الرئاسة فى البيت الأبيض محطماً، بذلك جميع المفاهيم والنظريات عن التحليلات الفكرية واستطلاعات الرأي. فلم تعد المناظرات التليفزيونية بين المرشحين مقياساً دقيقاً لنجاح أى منهم ولم تعد تقديرات مراكز استطلاع الرأى أساساً لتحديد الفائز فى الانتخابات، ولم يعد للتوجيه الإعلامى والحشد لأى مرشح، تأثيراً جازماً فى اختيار المرشح ولم تعد الخلفية العسكرية أوالخبرة السياسية أساساً للفوز فى الانتخابات الأمريكية وقفزاً على كل تلك الاعتبارات السابقة، وصل ترامب إلى البيت الأبيض.

بمجرد إعلان فوز ترامب فى الانتخابات بدأ ملوك ورؤساء جميع الدول فى إعادة ترتيب أوراقهم عن شكل العلاقات المستقبلية بينهم وبين الرئيس الجديد أو بمعنى أدق بين بلادهم والولايات المتحدة الأمريكية خاصة فى ظل بعض التصريحات الصادمة التى أطلقها الرئيس ترامب أثناء حملته الانتخابية.

كانت المكسيك أولى الدول المتأثرة إذ شرع فور وصوله للحكم، فى إصدار القرارات المتعلقة ببناء الجدار على الحدود الأمريكية-المكسيكية، مصحوبة بتصريحاته بشأن الهجرة غير الشرعية فما كان من رئيس المكسيك إلا أن ألغى زيارته إلى البيت الأبيض، والتى كانت مقررة فى الأيام الأولى من تولى ترامب وهرولت تيريزا ماى رئيسة وزراء بريطانيا إلى البيت الأبيض تطلب استمرار التعاون والدعم والتأييد لبلادها خاصة بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي. أعقبها الرئيس الفرنسى أولاند ليتباحث مع ترامب حول ضرورة بقاء الولايات المتحدة الأمريكية عضواً فى حلف الناتو، وأهمية الاستمرار فى دعمه لما له من أثر على أمن أوروبا. تلا ذلك القرار التنفيذى الذى أصدره ترامب بمنع مواطنى سبع دول من دخول الولايات المتحدة الأمريكية فازداد الموقف اشتعالاً وحدة، خاصة بعد معارضة القضاء الأمريكى لذلك القرار واعتباره لاغيا.

فى وسط هذا الزخم السياسى منذ بدءالانتخابات الرئاسية فى أمريكا كانت مصر تراقب السباق الانتخابي، واضعة مختلف السيناريوهات والاحتمالات لشكل العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، فى حال فوز أى من المرشحين خاصة بعد ثمانى سنوات عجاف هى فترة حكم الرئيس السابق باراك أوباما إذ فَتُرت خلالها العلاقات المصرية-الأمريكية، فعلى سبيل المثال لم توجه دعوة رسمية إلى رئيس مصرى خلال السنوات السبع الماضية لزيارة البيت الأبيض ومثال آخر كان فى تجاهل أوباما التام لمحاربة تنظيم داعش المتمركز فى ليبيا، ومعتبرها ملاذاً آمناً لعناصره بالرغم من حصوله على موافقة الكونجرس لاستخدام القوة العسكرية ضد داعش فى الشرق الأوسط، ولكنه اكتفى بتوجيه ضرباته إلى بعض أماكن تمركزهم فى العراق وسوريا، مستهدفاً من ذلك خلق شوكة فى جانب مصر.

لم يكتف أوباما بذلك، ولكنه أضاف إليه تجميد المعونة العسكرية المقررة لمصر لمدة ثلاث سنوات فضلاً عن إيقاف تسليم الأسلحة والمعدات العسكرية التى تم الاتفاق عليها قبل قراره، بل وزاد من تعسفه أن أوقف إعادة إرسال الأسلحة والمعدات العسكرية المصرية التى كانت تخضع لأعمال الصيانة الدورية فى الولايات المتحدة، إبان اتخاذه لقرار تجميد المعونة. كما ألغى ميزة «آلية التدفق النقدي» Cash Flow Financing لمصر، مبقياً عليها لإسرائيل مع قصر استخدام المعونة فى أربع مجالات فقط، اعتباراً من 2017، وهى مكافحة الإرهاب، وتأمين الحدود، وتأمين سيناء والأمن البحرى إضافة إلى أعمال الصيانة الدورية.

كان لكل ما سبق تأثير سلبى على العلاقات بين واشنطن والقاهرة، وهو ما تحمله الرئيس السيسى فى الفترة السابقة ليتفادى وصول العلاقات السياسية إلى حد الصدام أو إلى نقطة اللاعودة خاصة مع إدراكه بأن سنوات حكم أوباما أوشكت على الانتهاء، وأن الإدارة الجديدة سيتعين عليه مراجعة حساباته مع مصر باعتبارها الحليف الاستراتيجى الأكبر للولايات المتحدة الأمريكية فى المنطقة. وهو ما بدت بوادره خلال استقبال الرئيس السيسى «للمرشحين الرئاسيين» فى مقر إقامته فى نيويورك فى سبتمبر 2016 أثناء مشاركته فى اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة فأشاد ترامب باجتماعه بالرئيس السيسى مثنياً على حكمته فى إدارة البلاد، ومحاربته للإرهاب الذى تمتد آثاره للمنطقة ككل وليس مصر فحسب فى حين كان اللقاء مع هيلارى كلينتون امتداداً للنغمة القديمة إذ ركزت حوارها على الموضوعات المتعلقة بحقوق الإنسان وحرية الصحافة متجاهلة تماماً ما تخوضه مصر فى حربها ضد الإرهاب، وما له من تأثير على أمنها الداخلي.

فكان فوز ترامب فى الانتخابات الأمريكية بادرة أمل لمصر، وبادر الرئيس السيسى بتهنئته هاتفياً، فى أول تهنئة له إشارة إلى بدء فصل جديد فى العلاقات الثنائية. وكانت المكالمة الثانية خلال الأسبوع الأول للرئيس ترامب فى البيت الأبيض والتى وجه فيها الدعوة للرئيس السيسى لزيارة البيت الأبيض. كما بدأت الأروقة السياسية فى الإدارة الأمريكية الجديدة أخذ خطوات جادة نحو إعلان جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، وهو ما دعا المصريين إلى التفاؤل بمستقبل العلاقات المصرية مع الولايات المتحدة. كما جاءت بعض التعيينات فى الإدارة الجديدة لتزيد من التفاؤل المصرى نحو مستقبل العلاقات الثنائية فكان أهمها اختيار الجنرال جيمس ماتيس وزيراً للدفاع، ذلك الرجل الذى كان آخر منصب يشغله هو قائد القيادة المركزية الأمريكية المسئولة عن قيادة القوات الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط، وهو على علم تام بأهمية دور مصر السياسى والعسكرى فى المنطقة، وقد سبق له زيارة مصر أكثر من مرة التقى خلالها بوزير الدفاع ورئيس الأركان، والتقى رئيس الجمهورية فى بعض منها. ونأمل أن تكون درايته بقدرات مصر وإمكاناتها العسكرية واحتياجاتها، خير وسيط فى إعادة العلاقات الثنائية إلى ما كانت عليه من قوة.

وعلى أية حال فإننا نتوقع خلال المرحلة القريبة القادمة شكلاً جديداً من العلاقات الثنائية بين مصر وأمريكا التى تعتمد على التعاون والتكامل فى كل المجالات السياسية والدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية بهدف تحقيق الأمن والاستقرار لمصر بصفتها حجر الزاوية فى المنطقة بأكملها والحليف الاستراتيجى الأهم للولايات المتحدة الأمريكية آملين أن ينتهى الأثر السلبى للسنوات الثمانى العجاف!



Email: sfarag.media@outlook.com